سنة صعبة عاشها الاقتصاد المغربي، سنة أتت في ظل تعاقب سنوات الجفاف من جهة و بارتفاع معدلات التضخم و غلاء الأسعار و ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية من جهة ثانية.
سنة 2023 لم تكن مجرد اختبار عادي للحكومة خاصة أنها حلت مباشرة بعد أزمة كورونا و ما رافقها من تداعيات اقتصادية كبيرة مازلت ترخي بظلالها حتى على أقوى الاقتصادات العالمية.
في خضم كل ذلك، قرارات و إجراءات مهمة و حاسمة اتخذتها الحكومة و كان لها انعكاس مباشر على الاقتصاد المغربي، لتكون الخاتمة بمشروع قانون المالية الذي رافقه الكثير من التشويق خاصة أنه يأتي في ظل تحول المغرب المجتمعي و البرامج الاجتماعية الخاصة بالدعم التي أمر بها عاهل البلاد.
فما هي أبرز خلاصات سنة 2023 الاقتصادية بالمملكة المغربية و هل نجحت الحكومة في تدبير الأرقام المالية؟
_ نهاية الوباء و استمرار التداعيات
شهدت سنة 2023 تراجعا كبيرا في معدلات الإصابة بفيروس كورونا، لدرجة اختفت النشرات اليومية الخاصة بمعدلات الإصابة لكن تداعيات الأزمة الصحية لم تنته لحدود الساعة و بالأخص في شقها الاقتصادي.
اقتصاد المغرب لم يخرج عن السياق و شهد تقلبات كبيرة، حيث أن توقف النشاط الاقتصادي و لو بدرجات مختلفة و إفلاس عدد من الشركات دفع الدولة لاعتماد برامج دعم اقتصادي كبيرة من خلال برنامج فرصة من جهة الموجه للشباب و من جهة ثانية برامج التسريع الصناعي و دعم المقاولات و تقوية تنافسية السوق الوطنية.
كما تم كذلك التركيز على علامة “صنع في المغرب” لتعزيز مكانة المملكة في قطاع الصناعة، و أضحت المنتوجات المغربية تغزو عددا من الأسواق مما شكل متنفسا تجاريا للمقاولات المغربية التي بدأت تخرج من الأزمة بشكل تدريجي.
_سيارات مغربية الصنع.. رعاية ملكية و إشادة شعبية
تحول حلم تصنيع أول سيارة محلية في المغرب إلى حقيقة بفضل خبرات مغربية سهرت على تنفيذ المشروع غير المسبوق في المملكة.
وقد تعرف المغاربة شهر ماي الماضي على نموذج لأول سيارة محلية في البلاد، من شأنها حسب القائمين على المشروع تعزيز علامة “صنع في المغرب” وتكريس مكانة المملكة كمنصة تنافسية لصناعة السيارات.
وترأس الملك محمد السادس حفل تقديم نموذج أول سيارة تنتج في المغرب و هي سيارات “نيو موتورز” لشركة يرأسها شاب مغربي هو نسيم بلخياط، إلى جانب النموذج الأولي لمركبة تعمل بالهيدروجين طورها شاب مغربي هو فوزي نجاح مؤسس شركة “نامكس”.
سيارات مغربية، بأفكار مغربية و يد عاملة مغربية، ستساهم و بلا شك في جعل بلادنا وجهة اسثتمار مهمة في قادم السنوات خاصة في قطاع الصناعات الكبرى كالطائرات و السيارات و غيرهم.
الحكومة تدعم حاملي المشاريع بمبالغ سخية لتطوير المقاولات الناشئة
أطلقت الحكومة العديد من برامج الدعم لتطوير المقاولات سواءا كانت صغيرة أم متوسطة أم كبيرة، و يبقى من أبرز هاته البرامج برنامج فرصة لتمويل الشباب حاملي أفكار مشاريع.
كما صادقت الحكومة على مرسوم يتعلق بتفعيل نظام الدعم الخاص الرامي إلى تشجيع وجود المقاولات المغربية على الصعيد الدولي وذلك في إطار ميثاق الاستثمار الجديد ضمن القانون الإطار 03.22.
كما انطلقت فعليا تدابير الميثاق الاسثتماري الجديد الذي دعا له الملك في إحدى خطاباته، حيث ضم ميثاق الاستثمار الجديد، عددا من المحاور في مقدمتها دعم الاستثمار، و هي أنظمة موجهة لمشاريع الاستثمار ذات الطابع الاستراتيجي وللمقاولات الصغرى والصغيرة والمتوسطة، ولتشجيع المقاولات المغربية على التواجد على الصعيد الدولي من خلال تقديم عدد من المنح المالية.
السياحة في المغرب.. انتعاشة كبيرة و أرقام قياسية رغم زلزال الحوز
استرجع القطاع السياحي ببلادنا عافيته بعد أزمة كورونا، حيث حققت الفنادق و المطاعم و شركات الطيران و كل أصحاب الخدمات في صنف السياحة طفرة نوعية و حصيلة إيجابية خلال سنة 2023.
وعلى الرغم من التداعيات التي خلفها زلزال الحوز، إلا أن السياحة بالمغرب اكتسبت زخما جديدا مكنها من تجاوز مختلف التحديات والحفاظ على وتيرة نمو ثابتة.
وتتجلى هذه الدينامية الإيجابية من خلال الارتفاع الكبير في عدد السياح الوافدين إلى 13,2 مليون سائح خلال أحد عشر شهرا فقط، مسجلا بذلك رقما قياسيا يفوق الرقم المسجل سنة 2019 بأكملها والبالغ 12,9 مليون سائح.
هذا الارتفاع وازاه كذلك ارتفاع معدلات ليالي المبيت بالفنادق و حجوزات شركات الطيران، مما دفع عددا من شركات النقل الجوي لمضاعفة خضوطها و فتح أخرى لرفع طاقتها الإستيعابية كما حدث مع شركة “رايانير”.
قانون المالية.. الدعم الاجتماعي و إصلاحات جوهرية لوقف نزيف صناديق المال العام
واجهت حكومة أخنوش رهانا كبيرا هذا العام في إعداد قانون المالية لكونه تزامن و تطبيق المغرب لنظام الدولة المجتمعية و التي شهدت إطلاق عديد برامج الدعم الاجتماعي و التي تتطلب تكلفة مالية كبيرة.
الدعم الاجتماعي المباشر، و دعم مهنيي النقل و الدعم الخاص بالأرامل و رفع الأجور و دعم الصحافة و دعم ضحايا زلزال الحوز و دعم عشرات القطاعات كلها برامج كان لها كلفة مالية على الموازنة المالية و بالتالي اضطرت الحكومة و خاصة وزارة الاقتصاد والمالية و الوزارة المنتدبة المكلفة بالميزانية لاتخاذ إجراءات مهمة لتوفير السيولة اللازمة.
عدد من الصناديق التي كانت تشهد فوضى في تدبيرها تم إعادة إصلاح بعضها و إلغاء أخرى و تحديثها و دمجها، كما تم إعادة النظر في الاعتمادات الموجهة لبعض القطاعات و توجيهها لقطاعات أخرى ذات أولوية، فضلا على تنويع المداخيل و هو أمر نجحت فيه الحكومة لحد بعيد.
الزيادات الأخيرة لرجال و نساء التعليم، كان رهانا آخر للحكومة، و قد برهنت من خلاله على كونها مستعدة لمراجعة الحسابات المالية لتحسين وضعية فئة مهمة من أبناء هذا الوطن رغم صعوبة ذلك لتزامنها الفعلي مع أولى دفعات الدعم الاجتماعي المباشر.
قد نختلف في تقييم الحصيلة الاقتصادية لسنة 2023، لكنها تظل عموما إيجابية حسب عديد المحللين، سنة صعبة لكنها كانت امتحانا للحكومة و للاقتصاديين و لبنك المغرب و لمهندسي الخريطة المالية للمملكة، سنودع سنة 2023 بأرقام و نستقبل سنة جديدة بأرقام جديدة و نتمنى أن تكون أفضل من سابقاتها…