كان ذلك صباح السادس من أكتوبر 2014,لازلت أتذكره جيدا كانّه البارحة،كان يوما ثقيلا شديد الوطأة كلما اقتحم مخيلتي اعتصر قلبي من شدة ذكرياته القاسية بسبب ذلك الخيار الصعب هل تختار قطران الوطن أم عسل الهجرة…
أعترف أني اخترت الهجرة مرغما بعدما ذبلت كل أحلامي في وطن اختار ان يخدع نفسه بعد دستور 2011 وشارك في تلك المسرحية نخب وأحزاب وأقلام… كنت احلم بربيع ديمقراطي – سياسي.. مزهر سرعان ما تحول إلى خريف عاصف وذهبت أحلامنا في مهب ريح الثورة المضادة…توجهت إلى المطار تاركا ورائي كل شيء له معنى في حياتي الأم الأهل الذكريات الهوية..
ما ان وطأت اقدامي ارض الهنود الحمر سابقا بلاد العم سام حاليا حتى تحركت فيا نوازع المنهجية التحليلية وغريزة الرصد…أتذكر جيدا كيف لاحظت في مطار نيويورك JFK أن معدل السمنة جد مرتفع بشكل كبير ليحيلني مباشرة على طبيعة نمط الاستهلاك في هذه الدولة التي تجعل من الإنسان ماكينة للاستهلاك المفرط للحفاظ على دورة الاقتصاد وتلك احدى مخلفات الرأسمالية المتوحشة ترى مظاهرها بادية في جسم الإنسان الأمريكي…فكان اول تحدي مع نفسي كيف سأقاوم هذا الوحش كي لا اصاب بالسمنة؟ هنا برز اول صراع وفعل مقاوم مع هذه الماكينة التي تلتهم كل شيء، هذا الصراع كان عنوانه الذات مقابل قيم جديدة..
الحمد لله أني لم اصب بلوثة الصدمة الحضارية والانبهار بامريكا أو نمط الحياة الأمريكية المغري الذي صدرته لنا أفلام هوليوود كعنف رمزي استعماري لعشرات السنين..وذلك لسبب بسيط هو أنني كنت أتوفر على حمولة معرفية معقولة أستطيع من خلالها فهم هذه الحضارة الفتية التي تقوم على المنفعة وينعدم فيها التاريخ..كما كان لدي الحد الادنى من الأدوات الفكرية والمعرفية والعلمية لتفكيك كل شيء أراه أو اصطدم به من منا في جيلي لم يدرس تاريخ أمريكا ويطلع على إقتصادها ونظامها السياسي..ايضًا كنت متسلحا بنظريات ما بعد الحداثة ونهاية التاريخ وصراع الحضارات و النيوليبرالية…كل هذا كان كدرع يحميني من شراك الذوبان الثقافي مع أني مؤمن بالاندماج في المجتمع الأمريكي لكن ضد الاستلاب الثقافي الذي تسود فيه قيم الطبقة البيضاء دون غيرها من الأقليات الآخرى..لا أريد ان أكون مثل ذاك الهندي الذي كان يبلغ عن اخوانه الهنود الحمر المقاومين لينال رضى الرجل الأبيض في تلك الحقبة السوداء من تاريخ الأرض الجديدة.
أكثر الاسئلة ترددا عليك منذ مقدمك إلى حد الآن هو من أين أنت؟ where are you from??
هذا السؤال في بعض المرات يحمل في طياته بعدا عنصريا وان اظهر سائله غير ذلك ليحشرك في زاوية معينة، إلى أن وجدت وصفة سحرية ان احشر السائل في نفس الزاوية. فيكون ردي أنا من ولاية بنسلفانيا لكن عندما يصر عليا من أين اصلك ، فهنا أقول “في نفسي وقعت في المصيدة “.فاحيب أنا اصلي مغربي ثم اسئله وأنت ؟؟ ليرد مثلا أنا من نيويورك، فارد عليه أنا اقصد اصلك هل أنت انجليزي ايرلاندي أو الماني…. ليفهم ضمنيا ان كلنا سواسية فهذا الوطن يجمع كل مهاجري العالم…والبقية تعرفونها.
من خلال ملاحظاتي البسيطة من ايجابيات الشعب الأمريكي هو شعب يحب وطنه جدا شعب يشتغل كثيرا… شعب في بعض المناطق مازال يعيش على الفطرة والبساطة عندهم مسالة الحرية مقدسة المجتمع الأمريكي هو مجتمع متدين ينقسم إلى محافظين و ليبراليين وهو احد أوجه الصراع السياسي الأمريكي..اضافة الى الصراع بين سكان المدينة وسكان البوادي الذي يمكن التقاطه بسرعة من خلال عشرات النكت والعبارات السلبية بين الطرفين وهنا أتذكر مقولة ابن خلدون في مقدمته الشهيرة خشونة أهل البدو في مقابل رقة أهل الحواضر… الشعب الأمريكي كمثل جميع شعوب العالم يريد العيش في سلام لكن للأسف تسيطر عليه ماكينة إعلام رهيبة تتحكم في توجيه الرأي العام لصالح من يملك المال والسلطة..لكن كل الأمل في الأجيال القادمة التي أصبحت لها القدرة في الوصول إلى المعلومة بسهولة ويصعب التحكم فيها أو السيطرة على الرأي العام احداث غزة خير مثال.
تعلمت من امريكا أشياء كثيرة ورائعة أولها الاعتماد على النفس القدرة على الاندماج تعلمت ان أقول لا
وأشياء اخرى يطول شرحها…
عشرة أعوام خسرت أشياء وكسبت أشياء اخرى… وتبقى الحياة سجال كالحرب ينتصر فيها المقاوم على كل أشكال العنف.