كشف عبد الصادق السعيدي، عضو مكتب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أن المغرب حقق تقدمًا ملحوظًا في مجال الحماية الاجتماعية في غضون سنوات قليلة منذ بدء تنفيذ القانون الإطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية عام 2021. وأوضح أن عدة مؤشرات تعكس هذا التطور، من بينها ارتفاع نسبة السكان المشمولين بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض إلى حوالي 88% مقارنة بأقل من 60% في عام 2020. كما أشار إلى أن نحو 11.1 مليون مواطن يستفيدون حاليًا من نظام “أمو-تضامن” المخصص للفئات ذات الهشاشة الاجتماعية بميزانية تناهز 10 مليارات درهم سنويًا. بالإضافة إلى ذلك، فإن أكثر من 3.9 مليون أسرة استفادت حتى سبتمبر 2024 من برامج الدعم الاجتماعي المباشر بميزانية قد تصل إلى حوالي 30 مليار درهم.
وخلال ندوة حملت عنوان “الدولة الاجتماعية: المرجعيات والسياسات”، التي نظمتها كلية الحقوق السويسي في الرباط، ألقى السعيدي كلمة نيابة عن رئيس المجلس، عبد القادر اعمارة، أشار فيها إلى أن عام 2025 يمثل نقطة تحول حاسمة في ورش الحماية الاجتماعية، حيث يشكل السنة الأخيرة لتنفيذ هذا الإصلاح الهيكلي وفق مقتضيات القانون الإطار. هذا الأمر يتطلب زيادة وتيرة العمل لتعزيز المكتسبات وتسريع التنفيذ، إلى جانب متابعة الإصلاحات الأخرى لتوسيع قاعدة المستفيدين من أنظمة التقاعد لتشمل أكثر من 5 ملايين فرد من السكان النشيطة غير المستفيدين حاليًا من أي معاش، إضافة إلى تعميم التعويض عن فقدان الشغل لضمان حماية اجتماعية عادلة وشاملة.
أكد السعيدي أهمية الورش الملكي الطموح لإرساء منظومة حماية اجتماعية فعالة، باعتباره إصلاحًا استراتيجيًا رائدًا في مسيرة التنمية بالمغرب. وأوضح أن هذا المشروع يجسد رؤية الدولة الاجتماعية ويشمل تحولاً هيكليًا في السياسات العمومية المنصبّة على تعزيز صمود المجتمع والفرد أمام الأزمات والتحديات الاقتصادية.
وأشار إلى أن المغرب يسير بخطوات واثقة نحو تحويل الحماية الاجتماعية إلى حق مضمون لكل فرد، بغض النظر عن وضعه المهني أو الاجتماعي. كما أكد أن رؤية وتوجيهات الملك منذ تبني القانون الإطار عام 2021 ساعدت على تحقيق تقدم ملموس في مجالات متعددة، أبرزها برامج التغطية الصحية والدعم الاجتماعي المباشر.
لفت السعيدي الانتباه إلى ما يوفره المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي من رؤية متكاملة وشاملة لتحقيق حماية اجتماعية مستدامة تغطي مختلف مراحل حياة الفرد. وأضاف أن المجلس قدّم مجموعة تقارير وآراء بارزة حول منظومة الحماية الاجتماعية، منها مراجعة الإطار القانوني للمعاشات المدنية في 2014؛ وتقرير حول “واقع وآفاق الحماية الاجتماعية” عام 2018؛ ورأي بشأن بدائل التعويض عن فقدان الشغل وفق القانون الإطار في 2021. كما تناول الصحة والسلامة المهنية كركيزة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى استعراض الحاجة الملحة لإصلاح نظام المعاشات بشكل شامل مع نهاية 2022.
أوضح السعيدي أن المجلس، ضمن دوره في تتبع السياسات العمومية، نشر أواخر عام 2024 رأيًا حول تقييم المرحلة الحالية من مشروع تعميم نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض. ورغم المؤشرات الإيجابية لهذه المرحلة، شدد على ضرورة مواجهة التحديات الراهنة لضمان نجاح المشروع.
من أبرز التحديات المرتبطة بالتغطية الصحية، ذكر عدم شمول نحو 8 ملايين شخص في التأمين الإجباري الأساسي نتيجة عدم تسجيلهم أو وجودهم ضمن فئة “الحقوق المغلقة”. وأضاف أن الإنفاق الصحي المباشر على المواطنين لا يزال مرتفعًا بنسبة تبلغ حوالي 50% من المصاريف الإجمالية الصحية، وهي نسبة تفوق سقف الـ25% الموصى به دوليًا، مما يدفع البعض إلى تجنب تلقي العلاجات الأساسية لأسباب مالية.
رغم تحقيق توازن مالي في بعض الأنظمة مثل “أمو-تضامن” وأجراء القطاع الخاص خلال عام 2023، أشار السعيدي إلى استمرار العجز المالي لدى أنظمة القطاع العام والعمال غير الأجراء، مما يؤثر على تعويض المؤمنين وأداء المستحقات لمقدمي الخدمات الطبية. كما لاحظ أن الغالبية العظمى من نفقات التأمين الصحي تتجه نحو مؤسسات العلاج والاستشفاء دون توسيع نطاق التغطية وتشجيع سبل الوقاية والرعاية الأولية بشكل متناسب.